المدينة التي اشتراها رابي عكيفا
بدايةً كان رابي عكيفا تلميذاً لرابي طرفون ، و بعد أن صار حكيماً ذا شأنٍ و مهارةٍ صاراَ صديقينِ ، و تعلمَ الكثير من التوراةِ من رابي طرفون ، أيضاً اكتسب الكثيرَ من أخلاقهِ الحسنةِ ، و كان رابي عكيفا يكنُّ كل الإجلالِ و التقديرِ لمعلمه رابي طرفون ، و لكنه رأى فيه ما لفتَ إنتباههُ و آثار حزنه و آساهُ ، فمع حبه لكل الناس حوله لمْ تكن من عادةِ رابي طرفون أن يزيدَ من الصدقةِ ، بل يعطيها كما يلزم أن تعطى لا أكثر من ذلكَ ، و لذلك تعجبَ رابي عكيفا لأن رابي طرفون كان أحد أكبر الأغنياء ، فكان يمكنه أن يمنح هؤلاء الفقراء و الشحاذينَ أكثر من هذه الدراهمِ المعدودةِ ، ففكرَ رابي عكيفا كيف يمكنهُ أن يلفتَ إنتباهَ رابي طرفون إلى ذلك ، أي كيف أن شخصاً غنياً مثلهُ يجب أن يزيدَ من فريضةِ الصدقةِ ، و لا يكتفي بإعطاءِ القليلِ فقط ، لم يكن مناسباً له أن يذكرَ له ذلك مباشرةً ، لأنه و مع حكمة و كبرِ رابي عكيفا إلاَّ أنه لا يزال يشعر بكونهِ تلميذاً لرابي طرفون ، ففكرَ و وجدَ الحيلةَ لذلك ، فلما كان جالساً أمام شيخهِ سألهُ سؤالاً : يا شيخنا هل تريد مني شراءَ مدينةٍ لكَ أو مدينتينِ ؟ ( هو لم يقصد مدينةً تماماً و إنما كالمزرعةٍ أو الحقول لأنه في تلك الفترةِ كانت تسمى مدينة ) ؛ فردَّ عليه رابي طرفون : نعم ، طبعاً أريد ذلك ، سيعود علي ذلك بالفائدةِ و الربحِ من دون تعب إضافي ، و يمكننا تعلم التوراة دون إزعاجٍ ، فقامَ رابي طرفون و أحضرَ أربعةَ آلافٍ من الدَّنانيرِ الذهبيةِ ، و سلمها إلى رابي عكيفا حتى يشتري له هذه المدينة كما عرضَ عليه ، فذهب رابي عكيفا و قام بتوزيع كل هذه الأموال على الفقراء و المحتاجينِ ، و حرص جاهداً على إعطاء طلاَّبِ العلم أيضاً منها ، الذين كانوا يعلمونَ غيرهم من التلاميذِ دون مقابل يذكر ، الشئ الذي كان يهمه وقتها أن يتعلمَ الأغنياء و الفقراء سويةً التوراةَ ، بعد فترة من الزمن إلتقى رابي طرفون مع رابي عكيفا و سأله : هل قمتَ بشراءِ المدينةِ كما اتفقنا ؟ ؛ فقال رابي عكيفا : نعم ، لقد قمتُ بشراءها ،
ففرحَ رابي طرفون و سأله : هل قمت بتجارة و مقايضةٍ رابحةٍ ؟ فردَّ رابي عكيفا : رائعةٌ و جميلةٌ و فوق الأوصافِ ، فسأله رابي طرفون : إذاً لمَ لا تريني إياهاَ؟ ، فردَّ عليه رابي عكيفا : بالطبع سأريك إياها ؛ فأخذ بيده و ذهب معه إلى المدرسةِ ، فنظر رابي طرفون حوله متعجباً و سأله : لماذا أحضرتني إلى هنا ؟ أين المدينة التي حدثتني عنها ؟ ، فردَّ عليه رابي عكيفا : هاهي هنا في كتاب المزامير للملك داوود و نادى الولد الذي تعلم على يد الحاخامات ، الذين هم ممن أعطوا ذهب رابي طرفون ، ففتح كتاب المزامير و طلب من الصبي أن يقرأ ،فقرأ الصبي حتى وصل الآية : ( و أنفق أمواله على الفقراء و صدقته خالدة ً … إلخ ) ، عندها أوقفه رابي عكيفا و تكلم قائلاً : هذه هي المدينة التي اشتريتها لك ، و هي واقفةٌ بصورةٍ خالدةٍ ، لا يوجد أفضلَ منها ، أموالك وزعتْ على الفقراء ، و لطلاب العلم و الحاخامات ، حتى يمكن أن يعلموا و يتعلموا التوراة ، من دون هموم الرزق و طلب العيش ؛ وقف رابي طرفون متعجباً ، و أدرك بحكمته القصد الذي أراده رابي عكيفا، و لما إختار هذه الطريقة لتلقينه الدرس من دون أن يهينَ كرامتهُ ؛ و لتواضع رابي طرفون فقد أدرك الدرس بمحبةٍ و مودةٍ عاليةٍ ، فقبلَ رابي عكيفا و قال : شيخي و مولاي رابي عكيفا لقد كنتَ أعظم مني حكمةً ، أنت معلمي الذي علمتني كيف تكون الأخلاق ، كيف أوبخُ الإنسانَ بصورةٍ جميلةٍ ؛ و من ذاك اليوم صار رابي طرفون يعطي رابي عكيفا الأموال حتى يوزعها بين الفقراء.